تفسير أيات من سوره البقرة من الآيه 17الي الآيه 20

تفسير أيات من سوره البقرة من الآيه 17الي

الآيه 20.

محتويات التفسير:(الاعراب  _البلاغة  اللُغويات –  سبب النزول – التفسير والبيان –  فقه الحياة أوالأحكام )ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إيراد الأمثال للمنافقين
***************
✿#تفسير_المنير✿
{ بسم الله الرحمـٰن الرحيم }
__________________

1- الإعراب :

**********
(اسْتَوْقَدَ) و (وَتَرَكَهُمْ) أعاد الضمير إلى الأول بالإفراد ، وإلى الثاني بالجمع ، لأنه نزّل (الَّذِي) منزلة «من» و «من» يرد الضمير إليها تارة بالإفراد ، وتارة بالجمع. و (اسْتَوْقَدَ) : إما بمعنى «أوقد» فيكون متعديا إلى مفعول واحد ، وهو قوله : (ناراً) ، وإما أن تكون السين فيه للطلب ، فيكون متعديا إلى مفعولين ، والتقدير ، استوقد صاحبه نارا. «لما» ظرف زمان ، العامل فيه : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ).
 (ما حَوْلَهُ) اسم موصول بمعنى الذي ، وحوله : الصلة ، وهو في موضع نصب ، لأنه مفعول «أضاءت». وأضاءت: يكون لازما ومتعديا ، والأفعال التي تكون لازمة ومتعدية تنيّف على ثمانين فعلا. (لا يُبْصِرُونَ) جملة فعلية منفية في موضع نصب على الحال ، من ضمير (تَرَكَهُمْ).
❤❤❤❤
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) : مرفوع خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هم.
❤❤❤❤
(أَوْ كَصَيِّبٍ) أو : هاهنا للإباحة ، كصيب : مرفوع لكونه خبرا لقوله : (مَثَلُهُمْ) ، وتقديره : مثلهم كمثل أصحاب صيب ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه.
 (فِيهِ ظُلُماتٌ) في موضع جر على الوصف لصيب. و (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ) جملة فعلية في موضع جر ، صفة لأصحاب المقدر. (حَذَرَ الْمَوْتِ) مفعول لأجله.
❤❤❤❤
(يَكادُ الْبَرْقُ) مضارع كاد ، من أفعال المقاربة ، ينفي في الإيجاب ويوجب في النفي. (كُلَّما) منصوب لأنه ظرف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2- البلاغة :

*********
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) تشبيه تمثيلي ، شبه المنافق بمستوقد النار ، وإظهاره الإيمان بالإضاءة ، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار.

 وكذلك (أَوْ كَصَيِّبٍ ..) تشبيه تمثيلي ، شبه الإسلام بالمطر لأن القلوب تحيا به ، وشبه شبهات الكفار بالظلمات.
❤❤❤❤
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) تشبيه بليغ ، أي هم كالصم البكم العمي في عدم الاستفادة من هذه الحواس. (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ) مجاز مرسل من إطلاق الكل وإرادة الجزء ، أي رؤوس أصابعهم.
 «ويكذبون .. مصلحون .. يعمهون» : توافق الفواصل مراعاة لرؤوس الآيات ، وهو من المحسنات البديعية.
 والخلاصة: اشتملت الآيات على قوة التعبير وشدة التأثير وروائع التشبيه ، ففيها تشبيه القرآن بالمطر إذا أمطر يحيي الأرض ، والقرآن يحيي موات النفوس ، ويرى أصحاب الأهواء أن في القرآن شبها هي كالظلمات العارضة مع المطر. وفي الآيات أيضا وعد ووعيد كالرعد قوة وشدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- المفردات اللُغوية :
***************
«المثل» الصفة التي أضحت كالمثل ، أو مثالهم في نفاقهم وحالهم العجيبة. (اسْتَوْقَدَ) أوقد نارا للاستدفاء والإضاءة ، أو طلب إيقاد النار (أَضاءَتْ) أظهرت ما حولها ، «ترك» صيّر.
❤❤❤❤
والصم : آفة تمنع السماع ، والبكم : الخرس ، والعمى: عدم البصر عما من شأنه أن يبصر.
❤❤❤❤
(كَصَيِّبٍ) الصيب : المطر الكثير. (رَعْدٌ) الرعد : صوت احتكاك الهواء الذي يسمع في السحاب عند تجمعه. والبرق: هو الضوء الذي يلمع في السحاب غالبا بسبب احتكاك الهواء واتحاد كهربية السحاب الموجبة بالسالبة.
 والصاعقة : نار عظيمة تنزل أحيانا أثناء المطر والبرق بسبب تفريغ كهربية السحاب بجاذب يجذبها إلى الأرض. والخطف : الأخذ بسرعة.
❤❤❤❤
(قامُوا) : وقفوا وثبتوا في أماكنهم متحيرين منتظرين تغير الحال ، للوصول إلى النجاة. والظلمات : هي ظلمة الليل وظلمة السحب وظلمة الصيّب نفسه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4- سبب نزول الآية ١٩ :

******************
أخرج الطبري عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما في نزول هذه الآية : قالوا : كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله.
 فيه رعد شديد وصواعق وبرق ،فكان كلما أضاءت لهما الصواعق ، جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق (الخوف) أن تدخل الصواعق في مسامعهما ، فتقتلهما ، وإذا لمع البرق مشوا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا ، وقاما مكانهما لا يمشيان ، فجعلا يقولان : ليتنا قد أصبحنا ، فنأتي محمدا ، فنضع أيدينا في يده ، فأصبحا فأتياه ، فأسلما ووضعا أيديهما في يده ، وحسن إسلامهما ، فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين ، مثلا للمنافقين الذين بالمدينة.
❤❤❤❤
وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النّبي ﷺ، جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النّبي ﷺ أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكروا بشيء ، فيقتلوا ، كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما ، وإذا أضاء لهم مشوا فيه. 
فإذا كثرت أموالهم وولد لهم الغلمان ، وأصابوا غنيمة أو فتحا ، مشوا فيه ، وقالوا : إن دين محمد ﷺ دين صدق ، فاستقاموا عليه ، كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهم البرق ، وإذا أظلم عليهم قاموا .
وكانوا إذا هلكت أموالهم وولدهم وأصابهم البلاء قالوا : هذا من أجل دين محمد ، فارتدوا كفارا ، كما قام ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما (١).
__________________
(١) تفسير الطبري : ١ / ١١٩
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

5- التفسير والبيان :

**************
ضرب الله تعالى في هذه الآيات مثلين لتوضيح حال المنافقين وبيان شناعة أعمالهم وسوء أفعالهم ، تنكيلا بهم ، وفضحا لأمورهم ، إذ كانوا فتنة للبشر ، ومرضا في الأمة.
 وضرب الأمثال هو منهج القرآن لتوضيح المعاني وإبراز المعقولات الخفية في معرض المحسوسات الجلية ، وهذان المثلانيصوران حالة القلق والحيرة والاضطراب عند المنافقين وسرعة انكشاف أمرهم :
__________________
✓المثل الأول ـ لسرعة انكشاف أمرهم : وهو أن مثل المنافقين وحالهم في إظهار الإسلام زمنا قليلا وأمنهم على أنفسهم وأولادهم ، كحال الذين أوقدوا نارا ، لينتفعوا بها ، فلما أضاءت ما حولهم من الأمكنة والأشياء ، وأبصروا زمنا يسيرا ، أطفأها الله بنحو مطر شديد أو ريح عاصف ، فصيرهم لا يبصرون شيئا ، وتركهم في ظلمة الليل وظلمة السحب المتراكمة وظلمة إطفاء النار ، لأن النور قد زال.
❤❤❤❤
والمنافقون عطلوا مشاعرهم وإحساساتهم ، إنهم عطلوا منفعة السمع ، فلم يسمعوا عظة واعظ وإرشاد مرشد ، بل لا يفقهون إن سمعوا ، فكأنهم صمّ عن الحق لا يسمعون.
 وعطلوا منفعة الكلام والسؤال والمناقشة ، فلم يطلبوا برهانا على قضية ، ولا بيانا عن مسألة ، فكأنهم بكم لا يتكلمون ، وعطلوا منفعة البصر ، فلم ينظروا ولم يعتبروا بما حل بهم من الفتن وبما تعرضت له الأمم ، فكأنهم عمي عن الهدى. وهم لا يعدلون أصلا عن حالهم من الضلالة إلى الهدى ، فلا تأس عليهم ولا تحزن.
❤❤❤❤
✓والمثل الثاني ـ لحيرتهم وقلقهم وانتهازيتهم : وهو أن القرآن قد أتاهم بالإرشادات الإلهية ، ولكنهم أعرضوا عنها ، فحالهم تشبه حال قوم نزل عليهم المطر الغزير ، المصحوب بالمخاوف من ظلمات المطر والسحب والليل ، والرعد القاصف ، والبرق الخاطف ، وفي هذا الجو القاتم تلمسوا سبيل النجاة ، وعقدوا الأمل على ما لاح في الأفق من نور .
 فعزموا على اتباع الحق الذي جاءت به الآيات البينات ، ثم ما لبثوا أن وقعوا في الظلام ، فأصابهم القلق والاضطراب ، والله محيط بهم ، قادر عليهم ،.
فلو شاء لأذهب أسماعهم بقوة الرعد ، وأبصارهم بوميض البرق الخاطف ، ولكن لحكمة ومصلحة ، لم يشأ ذلك ، لإمهالهم وإعطائهم الفرصة ليثوبوا إلى رشدهم.
❤❤❤❤
والخلاصة : قد يضيء النفاق لصاحبه الدرب حينا قصيرا ، ثم سرعان ما ينطفئ كما تنطفئ النار ، مما يجعل النفاق لا دوام له ولا استمرار. وقد يجد المنافق الأمل في نفاقه لتحقيق غرض أو مكسب مادي رخيص ، ثم تتبدد الآمال ، ويبقى المنافقون في قلق واضطراب .
 إذ إن فرحهم الظاهري بنزول آية ، وسيرهم مع المسلمين ، يسقطه الامتحان عندما يطالبون بالجهاد مع المؤمنين ، وإن التلون بالدعم حين الخير ، والنقمة والكفر حين الشر ، مثل المنافق غير المؤمن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

6- فقه الحياة أو الأحكام :

******************
هذه صفة المنافقين كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ثم كفروا فذهب الله بنورهم. 
فما يظهره المنافقون من الإيمان الذي تثبت به أحكام المسلمين في الزواج والميراث والغنائم والأمن على أنفسهم وأولادهم وأموالهم ، واغترارهم لما آمنوا بكلمة الإسلام ، لا فائدة له في أحكام الآخرة ، لأنهم يصيرون إلى العذاب الأليم ، كما أخبر التنزيل. 
 (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء ٤ / ١٤٥] فمثل استضاءتهم بضوء إقرارهم بالإسلام مع إسرار الكفر كإضاءة النار الموقوتة أو كمثل مطر مظلم. والمنافقون عطلوا بحق وسائل المعرفة الصحيحة والإيمان الراسخ ، فهم صمّ عن استماع الحق ، بكم عن التكلم به ، عمي عن الإبصار له .

 وأشد من ذلك أنهم لا يرجعون في النهاية إلى الحق لسابق علم الله تعالى فيهم ، لا بقهر وإجبار. ومع نفاقهم فلم يعجل الله عقابهم في الدنيا ، وقد استنبط الجصاص من ذلك : أن عقوبات الدنيا ليست موضوعة على مقادير الاجرام ، وإنما هي على ما يعلم الله من المصالح فيها ، وعلى هذا أجرى الله تعالى أحكامه (١).
❤❤❤❤
والقرآن ممتلئ بالخير والآيات الدالة على كونه من عند الله كالصيّب ، وما فيه من الوعيد والزجر كالرعد ، وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أحيانا تبهر المنافقين كالبرق ، وما فيه من الدعوة إلى القتال في العاجل والوعيد في الآجل كالصواعق.
__________________
(١) أحكام القرآن : ١ / ٢٦ ـ ٢٧
__________________
والله محيط بجميع الكائنات وبالكافرين ، فلن يفلت من حسابه أو قدرته أو مشيئته أحد ، ولو شاء الله لأطلع المؤمنين على المنافقين ، فذهب منهم عز الإسلام بالاستيلاء عليهم وقتلهم وإخراجهم من بينهم. 

وهو سبحانه المتميز بالقدرة الشاملة لكل شيء ، فهو جل وعز قادر مقتدر قدير على كل ممكن يقبل الوجود والعدم ، ويجب على كل مكلف (بالغ عاقل) أن يعلم أن الله تعالى قادر ، له قدرة بها فعل ، ويفعل ما يشاء على وفق علمه واختياره ، ويجب عليه أيضا أن يعلم أن للعبد قدرة يكتسب بها ما أقدره الله تعالى عليه على مجرى العادة ، وأنه غير مستبد بقدرته.
❤❤❤❤
هذه هي الآيات العشرون ، أربع منها في وصف المؤمنين ، وآيتان في وصف الكافرين ، وبقيتها في المنافقين (١).
__________________
(١) أسباب النزول للواحدي النيسابوري : ص ١١

اكتب تعليق

أحدث أقدم